سوق الكربون الطوعي ودوره في مكافحة تغير المناخ

سوق الكربون الطوعي ودوره في مكافحة تغير المناخ
بقلم : دكتور/ سمير طنطاوي
استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ
الأحد 5-3-2023 

 أدى القلق المتزايد بشأن تغير المناخ وآثاره السلبية إلى زيادة استخدام أسواق الكربون الطوعية كوسيلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. سوق الكربون الطوعي هو سوق يمكن من خلاله للشركات والحكومات والأفراد شراء وبيع الاعتمادات التي تمثل تخفيضات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يمكن استخدام هذه الاعتمادات لتعويض الانبعاثات التي لا يمكن تقليلها بوسائل أخرى، مثل تحسينات كفاءة الطاقة أو استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

يعمل سوق الكربون الطوعي بشكل منفصل عن سوق الكربون الإلزامي (الامتثال)، والذي تم إنشاؤه من خلال بروتوكول كيوتو ويعمل كوسيلة للدول لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الخاصة بها. على عكس سوق الامتثال، فإن سوق الكربون الطوعي ليس ملزمًا قانونًا ولا يرتبط بأي تخفيضات في الانبعاثات تفرضها الحكومة. بدلاً من ذلك، فهو مدفوع من قبل الشركات والمؤسسات والأفراد الذين يرغبون في اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وتقليل بصمتهم الكربونية.

تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لسوق الكربون الطوعي في أنه يوفر طريقة للشركات والمؤسسات لتعويض انبعاثاتها وتقليل تأثيرها على البيئة. على سبيل المثال، يمكن للشركة التي تدير مصنعًا يطلق كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي شراء أرصدة الكربون لتعويض هذه الانبعاثات. يتم إنشاء هذه الاعتمادات من خلال تنفيذ مشاريع خفض الانبعاثات في أجزاء أخرى من العالم، مثل تركيب مصادر الطاقة المتجددة أو تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة أو زراعة غابة.

ومن المزايا الأخرى لسوق الكربون الطوعي أنه يوفر التمويل لمشاريع خفض الانبعاثات التي لن تكون مجدية اقتصاديًا لولا توافر دعم ناتج عن بيع شهادات الكربون، ويمكن لمطوري المشاريع تحقيق إيرادات من الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي يمكن إعادة استثمارها في جهود إضافية لخفض الانبعاثات. هذا لا يساعد فقط في تقليل المستوى الإجمالي للانبعاثات، ولكنه يحفز أيضًا على تطوير تقنيات منخفضة الكربون ويشجع على نمو قطاع الطاقة المتجددة.

سوق الكربون الطوعي هو أيضًا وسيلة للأفراد لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ من خلال شراء أرصدة الكربون حيث يمكن للأفراد تعويض انبعاثاتهم من أنشطة مثل السفر الجوي والقيادة واستخدام الطاقة في المنزل. يوفر هذا وسيلة للأفراد لتقليل بصمتهم الكربونية والمساهمة في الجهد العالمي لمكافحة تغير المناخ.

على الرغم من فوائد سوق الكربون الطوعي إلا أن هناك بعض الانتقادات. أحد الشواغل الرئيسية هو الافتقار إلى الشفافية والمساءلة في السوق مما قد يؤدي إلى بيع أرصدة الكربون التي لا تمثل تخفيضات حقيقية للانبعاثات. لمعالجة هذه المشكلة وضعت العديد من مبادرات سوق الكربون الطوعية معايير وعمليات تحقق لضمان إنشاء أرصدة الكربون من خلال مشاريع الحد من الانبعاثات المشروعة.

وقد واجهت إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال أرصدة الكربون الطوعية أزمة ثقة في مشروعاتها المنفذة في غابات أمريكا الجنوبية حيث بينت التحقيقات أن نسبة تصل إلى نحو 95 % من أرصدة الكربون الطوعية الناتجة عن مشروعات هذه الشركة زائفة وما يحقق خفض حقيقي في الانبعاثات لا يتعدى 5 % فقط.

نقد آخر لسوق الكربون الطوعي هو أنه قد يكون من الصعب على الأفراد والشركات فهم تعقيدات السوق واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن شراء أرصدة الكربون. يمكن أن يؤدي ذلك إلى شراء أرصدة الكربون التي لا تعالج تغير المناخ بشكل فعال وقد يكون لها آثار سلبية على المجتمعات المحلية. لمعالجة هذه المشكلة، من المهم للأفراد والشركات أن يبحثوا بعناية عن أرصدة الكربون التي يشترونها وأن يختاروا المشاريع التي تم التحقق منها بواسطة مؤسسات خارجية موثوقا بها.

في الختام، يعتبر سوق الكربون الطوعي أداة قيمة في مكافحة تغير المناخ. من خلال توفير وسيلة للشركات والمؤسسات والأفراد لتعويض انبعاثاتهم وتقليل تأثيرها على البيئة، ويمكن أن يساعد سوق الكربون الطوعي في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحفيز تطوير تقنيات منخفضة الكربون. ومع ذلك، من المهم التأكد من أن أرصدة الكربون المشتراة يتم إنشاؤها من خلال مشاريع الحد من الانبعاثات المشروعة وأن السوق يعمل بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة. مع استمرار الجهود والاستثمار، يمكن لسوق الكربون الطوعي أن يلعب دورا رئيسيا في الجهد العالمي لمكافحة تغير المناخ وخلق مستقبل أكثر استدامة.