التنيمة المستدامة و دورها في رفاهية الإنسان

الثلاثاء 13-2-2024

بقلم : محمد العارف

لقد شكّل الإنسان محور التعريفات المقدمة بشأن التنمية المستدامة، حيث تتضمن تنمية بشرية قائمة على تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي. وقد أشار تقرير اللجنة العالمية للتنمية والبيئة "برونتلاند" إلى أن "التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية إحتياجاتها". كما أن عبارة تنمية مستدامة تعني نمطًا من التنمية لا تفرّط في استثمار مصادر الثروات الطبيعية، التي ترتكز عليها هذه التنمية، أو تخرّبها، أي تنمية تعمل على تجديد الموارد والثروات وإعادة التصنيع بشكل يضمن بيئة نظيفة وصالحة لحياة الأجيال الحاضرة والقادمة، فإن الجهود الرامية إلى بناء نمط حياة مستدام حقًا تتطلب التكامل بين الإجراءات المتخذة في ثلاثة مجالات رئيسة:

أولاً: النمو الاقتصادي والعدالة، إن النظم الاقتصادية العالمية القائمة حاليًا بما بينها من ترابط، تستلزم نهجًا متكاملاً لتهيئة النمو المسؤول الطويل الأمد، مع ضمان عدم تخلف أي دولة أو مجتمع.

وقبل الدخول في مفاهيم التنمية الاقتصادية، لا بد من توضيح بعض المعابير. حيث إن النمو يحدث تلقائيًا، بينما تحدث التنمية بفعل قوى وإجراءات تهدف إلى التغيير .

وتعرف التنمية الاقتصادية بوجه عام على أنها العملية التي يحدث من خلالها تغير شامل ومتواصل، مصحوب بزيادة في متوسط الدخل الحقيقي، وتحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة، وتحسين في نوعية الحياة وتغير هيكلية الإنتاج. ووفق هذا التعريف، فإن التنمية تحتوي على عدد من العناصر أهمها:

·       الشمولية، فالتنمية تغير شامل ينطوي ليس على العامل الاقتصادي فقط، وإنما أيضًا الثقافي والسياسي والاجتماعي.

·       حدوث زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي فترة طويلة من الزمن، وهذا يوحي بأن التنمية عملية طويلة الأجل.

·       حـدوث تحسن فـي توزيع الدخل لصـالح الطبقة الفـقيرة والتخفيف من ظاهرة الفقر.

·       ضرورة التحسن في نوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد.

وتتمثّل أهداف التنمية الاقتصادية بزيادة الدخل القومي والارتقاء بمستوى معيشة الإنسان وتقليل الفجوة الداخلية، مع تعديل تركيبة هيكل الاقتصاد القومي لمصلحة قطاع الصناعة والتجارة. وتلك الأهداف هي، في واقع الأمر، بمنزلة علاج للمشكلات الناتجـة من الخصائص الأساسية التي تتمثل باقتصاديات الدول الفقيرة التي تعدّ دولاً منتجة للمواد الاولية وبعضها قابل للنفاد.، لا شك في أن تمويل التنمية قضية مجتمعية، وإن كان النصيب الأكبر في تحمل عبئها يقع على عاتق الدول. فإن كان على الأفراد والمؤسسات أدوار يضطلعون بها وواجبات يلتزمونها، فإن الدول، بما تملك من سلطات، تستطيع من خلال أطرها التشريعية وأدوات الإلزام بها أن تنسّق بين الأدوار والمستويات.

ويتفق معظم الاقتصاديين على أن تجميع رأس المال الحقيقي (الناتج من المدّخرات) هو أحد أهم مصادر تمويل التنمية الاقتصادية. ويقتضي ذلك زيـادة في المدّخرات الوطنية، مع وجود نظام مالي وائتماني يمكّن المستثمر من الحصول على الموارد ثم البدء بالاستثمار، حيث تنقسم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى استثمارات عامة وتكون من الحكومات، واستثمارات خاصة وتكون من القطاعات والشركات والمؤسسات الخاصة في البلدان، وهنا يظهر أهمية التصدير لما للتصدير أهمية قصوى في اقتصاد أي دولة. ويعدّها بعض خبراء الاقتصاد قضية مجتمعية تفرض نفسها على مسارات تلك المجتمعات الاقتصادية، ذلك أن للتصدير، بخلاف دوره التمويلي في مجال التنمية الاقتصادية، أهمية كبرى متصلة بنجاح عملية التنمية، كما تلعب المنح والهبات الدولية الرسمية دورًا مهمًا في برامج التنمية، باعتبارها أحد مصادر التمويل اللازمة لتلك البرامج، ولا سيما بالنسبة إلى الدول الأقل قدرة على اجتذاب الاستثمار الخاص المباشر.

ثانياً: حفظ الموارد الطبيعية والبيئية من أجل الأجيال القادمة، من خلال إيجاد حلول قابلة للاستمرار اقتصاديًا للحد من استهلاك الموارد، وإيقاف التلوث، وحفظ المصادر الطبيعية، حيث يكتسي موضوع التنمية، بمختلف مفاهيمه، أهمية بالغة على المستوى العالمي. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة، إهتمام دولي متزايد نحو الحاجة إلى التنمية المستدامة للوصول إلى مستقبل مستدام، وذلك بعد أن كان العالم يتجه نحو مجموعة من الكوارث البشرية والبيئية المحتملة. فالاحتباس الحراري، والتدهور البيئي، وتزايد النمو السكاني والفقر، وفقدان التنوع البيولوجي، واتساع نطاق التصحّر، وما إلى ذلك من المشكلات البيئية التي وردت في الفصل الاول، لا تنفصل عن مشكلات الرفاه البشري ولا عن عملية التنمية الاقتصادية بصورة عامة، إذ إن الكثير من الأشكال الحالية للتنمية ينحصر في الموارد البيئية التي يعتمد عليها العالم. فالارتباط الوثيق بين البيئة والتنمية أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة .

ثالثاً: التنمية الاجتماعية، حيث أن جميع شعوب العالم بحاجة إلى العمل والغذاء والتعليم والطاقة والرعاية الصحية والماء. وعند العناية بهذه الاحتياجات، على المجتمع العالمي أن يكفل أيضاً احترام النسيج الثري الذي يمثله التنوع الثقافي والاجتماعي، واحترام حقوق العمال، وتمكين جميع أعضاء المجتمع من أداء دورهم في تقرير مستقبلهم ، وعليه، فقد أكد التقرير، الارتباط الوثيق بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على البيئة. وأشار إلى عدم إمكان تطبيق استراتيجية للتنمية المستدامة من دون ملاحظة متطلبات التنمية للجوانب الثلاثة "الاقتصادية والاجتماعية والبيئية".